الشبهة :
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ? هذا ما كنت أظنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم؛ لأن هناك من قال لي أنه غير معصوم وأنه يخطئ مثلنا، وقيل لي مثال يدل على دلك في آية: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى))[عبس:1-2] وقيل لي أن هذه الآية تدل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخطأ في تعامله مع الأعمى، وبالتالي فهو غير معصوم.
الرد :
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Imen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن هذا السؤال يحتاج منك أن تقفي على أصل إجابته، فإن عرفت أصل الإجابة عرفت بعد ذلك الجواب على جميع هذه الأسئلة الكريمة التي تفضلت بها، وأصل الجواب أن تعلمي أن الأنبياء –عليهم صلوات الله وسلامه – جميعاً معصومون من كبائر الذنوب، ومعنى كبائر الذنوب هي الفواحش التي حرمها الله جل وعلا، وبيَّن أنها من الخطايا العظيمات وذلك كالزنا والسرقة والنميمة ونحوها من كبائر الذنوب، وهذا قد عُصم منه جميع الأنبياء – عليهم جميعاً صلواتُ الله وسلامه– وهذا قد نُقل الاتفاق عليه من أهل العلم – عليهم رحمة الله جميعاً - .
وأما صغائر الذنوب فهذه قد وقع فيها خلاف بين أهل العلم، فهل يصح أن يقع من نبي من الأنبياء صغيرةٌ من الصغائر؛ فهذا فيه نزاع من أهل العلم على قولين اثنين:
فالقول الأول أنه يسوغ ذلك، وحكوا فيه قول الله جل وعلا: ((وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى))[طه:121]، أي وقعت منه مخالفة لأمر ربه، والقول الثاني: أنهم معصومون من الصغائر وأن ما يقع من الأخطاء في حقهم إنما يقع بتأويل وقصد حسن، وكلا القولين لهما وجه ولهما أدلة ظاهرة.
والمقصود أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من كبائر الذنوب كما أشرنا، وأما الصغائر فقد وقع الخلاف في ذلك.
إذا عُلم هذا فإن نبينا صلوات الله وسلامه عليه معصوم من الكبائر والصغائر، فقد عصمه الله جل وعلا من أن يرتكب كبيرة من الكبائر كإخوته الأنبياء - عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه – وعصمه الله من ارتكاب الصغائر، فلا يقع منه صغيرة ولا يتعمد ذنباً – حاشه صلواتُ الله وسلامه عليه – فإنه على الدوام في أجل المقامات وفي أعظم الرتب، بل إنه - صلوات الله وسلامه عليه – لا يغيب ذكر الله عن قلبه حتى وهو نائم، حتى إنه قال صلوات الله وسلامه عليه: (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله من ذلك) أخرجه مسلم في صحيحه. أي أن النبي صلى الله عليه وسلم يحصل له ما قد يقع للنفس البشرية في أمر ذكر الله جل وعلا فيحصل الغين وهو أقل ما يمكن أن يقع في هذا المقام، فإن المؤمن العادي يكاد أن يقع له ما يشبه الغين في أمر ذكر الله، فيغيب عن ذكر الله ويتغافل عن ذلك، وأما نبينا صلوات الله وسلامه عليه فقلبه ذاكرٌ لله وهو نائم فكيف عند يقظته وعند صحوه صلوات الله وسلامه عليه؟ فمن كان هذا شأنه لا يتصور وقوع المعصية منه صغيرة كانت أو كبيرة، فليعلم ذلك فإنه من أوكد العلم.
وأما ما أشرت إليه من هذه الآيات الكريمات، فإننا نود أن نبيِّن لك معناها أولاً ليظهر لك المقصود منها وتندفع بذلك الشبهة، وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم واقفاً مع بعض وجهاء قريش من كبارهم وعظمائهم لما كان - صلوات الله وسلامه عليه – يرجو إيمانهم وإسلامهم ليسلم الناس من ورائهم، فبينما هو يكلم هؤلاء النفر إذ دخل عليه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى – رضي الله عنه وأرضاه – وكان ممن أسلم قديماً، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يكلم هؤلاء النفر من وجهاء الناس إذ قال له عبد الله بن أم مكتوم مقاطعاً: علمني يا رسول الله مما علمك الله، وكان يسأله عن آية، فلم يعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مقبلاً على كلام القوم وكان مشغولاً في الحديث معهم عن الإيمان وعن دعوتهم إلى الله جل وعلا، فقطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم وواصل الكلام معهم.
فهذا أصل القصة التي وقعت، فأنزل الله جل وعلا هذه الآيات الكريمات: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى))[عبس:1] أي قطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم عندما جاءه يسأله ((أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى))[عبس:2] أي بسبب أن جاءه الأعمى ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى))[عبس:3] يقول جل وعلا: ما يدريك يا أيها النبي أن هذا الأعمى الذي جاءك لعله أن يتزكى وأن يتطهر بما يحصل له من العلم والنور الذي تعلِّمه إياه ((أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى))[عبس:4] أي تحصل له الذكرى بما علَّمته، ثم قال تعالى: ((أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى))[عبس:5-6] أي هؤلاء النفر الذين كفروا بالله وهم قد استغنوا بما عندهم من الدنيا تتصدى لهم بالدعوة والكلام، ((وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى))[عبس:7]. أي ليس من شأنك هدايتهم وإنما الهداية بيد الله وإنما عليك البلاغ، ((وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى))[عبس:8-10] أي هذا المؤمن الذي جاءك يطلب التعلم ويطلب النور، فأنت تتشاغل عنه بالكلام مع هؤلاء، ثم قال تعالى: ((كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ))[عبس:11] وهذا إرشاد بليغ للنبي صلوات الله وسلامه عليه أن يسوي بين الناس في الدعوة إلى الله جل وعلا فينظر الفقير وينظر الغني والكبير والصغير والذكر والأنثى، وأن يوكل أمرهم إلى الله، فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فإذا ثبت هذا، فقد علمت أنه لم يقع من النبي صلوات الله وسلامه عليه أي ذنب في هذا المقام، وإنما غايته أنه صلوات الله وسلامه عليه ترك ما هو الأولى عند الله جل وعلا، وهذا اجتهاد منه صلوات الله وسلامه عليه، بل هو مأجور عليه؛ لأنه إنما فعل ذلك طلباً لطاعة الرحمن وحبّاً في هداية الناس، فهو مأجور باجتهاده، فهذا ليس في حق النبي صلى الله عليه وسلم فقد بل إن العالِم إن أفتى في مسألة وبذل جهده فيها فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران؛ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر)، فهذا في حق أفراد أمته فكيف به صلوات الله وسلامه عليه؟
إذا عُلم هذا، فليُعلم أن هذه الآية يتمسك بها كثير من الناس ليبينوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب وقد أخطأ في ذلك، وليس هذا بصواب، بل الصواب ما قدمناه لك فاعرفيه واحرصي عليه، وانشري هذا العلم النافع بين أخواتك المؤمنات وبين أهلك؛ فإن هذا يدفع الشبهة وأيضاً يعين على توقير النبي صلوات الله وسلامه عليه وإنزاله المحل اللائق به، بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه.
ونسأل الله عز وجل أن يحشرنا وإياكم في زمرته، وأن يجعلنا جميعاً من أتباعه، وأن يحيينا على سنته، وأن يميتنا عليها، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى، إنه هو أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين.
وبالله التوفيق، وكل عام وأنتم بخير.
وأما ما أشرت إليه من هذه الآيات الكريمات، فإننا نود أن نبيِّن لك معناها أولاً ليظهر لك المقصود منها وتندفع بذلك الشبهة، وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم واقفاً مع بعض وجهاء قريش من كبارهم وعظمائهم لما كان - صلوات الله وسلامه عليه – يرجو إيمانهم وإسلامهم ليسلم الناس من ورائهم، فبينما هو يكلم هؤلاء النفر إذ دخل عليه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى – رضي الله عنه وأرضاه – وكان ممن أسلم قديماً، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يكلم هؤلاء النفر من وجهاء الناس إذ قال له عبد الله بن أم مكتوم مقاطعاً: علمني يا رسول الله مما علمك الله، وكان يسأله عن آية، فلم يعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مقبلاً على كلام القوم وكان مشغولاً في الحديث معهم عن الإيمان وعن دعوتهم إلى الله جل وعلا، فقطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم وواصل الكلام معهم.
فهذا أصل القصة التي وقعت، فأنزل الله جل وعلا هذه الآيات الكريمات: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى))[عبس:1] أي قطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم عندما جاءه يسأله ((أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى))[عبس:2] أي بسبب أن جاءه الأعمى ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى))[عبس:3] يقول جل وعلا: ما يدريك يا أيها النبي أن هذا الأعمى الذي جاءك لعله أن يتزكى وأن يتطهر بما يحصل له من العلم والنور الذي تعلِّمه إياه ((أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى))[عبس:4] أي تحصل له الذكرى بما علَّمته، ثم قال تعالى: ((أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى))[عبس:5-6] أي هؤلاء النفر الذين كفروا بالله وهم قد استغنوا بما عندهم من الدنيا تتصدى لهم بالدعوة والكلام، ((وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى))[عبس:7]. أي ليس من شأنك هدايتهم وإنما الهداية بيد الله وإنما عليك البلاغ، ((وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى))[عبس:8-10] أي هذا المؤمن الذي جاءك يطلب التعلم ويطلب النور، فأنت تتشاغل عنه بالكلام مع هؤلاء، ثم قال تعالى: ((كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ))[عبس:11] وهذا إرشاد بليغ للنبي صلوات الله وسلامه عليه أن يسوي بين الناس في الدعوة إلى الله جل وعلا فينظر الفقير وينظر الغني والكبير والصغير والذكر والأنثى، وأن يوكل أمرهم إلى الله، فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فإذا ثبت هذا، فقد علمت أنه لم يقع من النبي صلوات الله وسلامه عليه أي ذنب في هذا المقام، وإنما غايته أنه صلوات الله وسلامه عليه ترك ما هو الأولى عند الله جل وعلا، وهذا اجتهاد منه صلوات الله وسلامه عليه، بل هو مأجور عليه؛ لأنه إنما فعل ذلك طلباً لطاعة الرحمن وحبّاً في هداية الناس، فهو مأجور باجتهاده، فهذا ليس في حق النبي صلى الله عليه وسلم فقد بل إن العالِم إن أفتى في مسألة وبذل جهده فيها فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران؛ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (
إذا عُلم هذا، فليُعلم أن هذه الآية يتمسك بها كثير من الناس ليبينوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب وقد أخطأ في ذلك، وليس هذا بصواب، بل الصواب ما قدمناه لك فاعرفيه واحرصي عليه، وانشري هذا العلم النافع بين أخواتك المؤمنات وبين أهلك؛ فإن هذا يدفع الشبهة وأيضاً يعين على توقير النبي صلوات الله وسلامه عليه وإنزاله المحل اللائق به، بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه.
ونسأل الله عز وجل أن يحشرنا وإياكم في زمرته، وأن يجعلنا جميعاً من أتباعه، وأن يحيينا على سنته، وأن يميتنا عليها، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى، إنه هو أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين.
وبالله التوفيق، وكل عام وأنتم بخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Imen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن هذا السؤال يحتاج منك أن تقفي على أصل إجابته، فإن عرفت أصل الإجابة عرفت بعد ذلك الجواب على جميع هذه الأسئلة الكريمة التي تفضلت بها، وأصل الجواب أن تعلمي أن الأنبياء –عليهم صلوات الله وسلامه – جميعاً معصومون من كبائر الذنوب، ومعنى كبائر الذنوب هي الفواحش التي حرمها الله جل وعلا، وبيَّن أنها من الخطايا العظيمات وذلك كالزنا والسرقة والنميمة ونحوها من كبائر الذنوب، وهذا قد عُصم منه جميع الأنبياء – عليهم جميعاً صلواتُ الله وسلامه– وهذا قد نُقل الاتفاق عليه من أهل العلم – عليهم رحمة الله جميعاً - .
وأما صغائر الذنوب فهذه قد وقع فيها خلاف بين أهل العلم، فهل يصح أن يقع من نبي من الأنبياء صغيرةٌ من الصغائر؛ فهذا فيه نزاع من أهل العلم على قولين اثنين:
فالقول الأول أنه يسوغ ذلك، وحكوا فيه قول الله جل وعلا: ((وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى))[طه:121]، أي وقعت منه مخالفة لأمر ربه، والقول الثاني: أنهم معصومون من الصغائر وأن ما يقع من الأخطاء في حقهم إنما يقع بتأويل وقصد حسن، وكلا القولين لهما وجه ولهما أدلة ظاهرة.
والمقصود أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من كبائر الذنوب كما أشرنا، وأما الصغائر فقد وقع الخلاف في ذلك.
إذا عُلم هذا فإن نبينا صلوات الله وسلامه عليه معصوم من الكبائر والصغائر، فقد عصمه الله جل وعلا من أن يرتكب كبيرة من الكبائر كإخوته الأنبياء - عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه – وعصمه الله من ارتكاب الصغائر، فلا يقع منه صغيرة ولا يتعمد ذنباً – حاشه صلواتُ الله وسلامه عليه – فإنه على الدوام في أجل المقامات وفي أعظم الرتب، بل إنه - صلوات الله وسلامه عليه – لا يغيب ذكر الله عن قلبه حتى وهو نائم، حتى إنه قال صلوات الله وسلامه عليه: (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله من ذلك) أخرجه مسلم في صحيحه. أي أن النبي صلى الله عليه وسلم يحصل له ما قد يقع للنفس البشرية في أمر ذكر الله جل وعلا فيحصل الغين وهو أقل ما يمكن أن يقع في هذا المقام، فإن المؤمن العادي يكاد أن يقع له ما يشبه الغين في أمر ذكر الله، فيغيب عن ذكر الله ويتغافل عن ذلك، وأما نبينا صلوات الله وسلامه عليه فقلبه ذاكرٌ لله وهو نائم فكيف عند يقظته وعند صحوه صلوات الله وسلامه عليه؟ فمن كان هذا شأنه لا يتصور وقوع المعصية منه صغيرة كانت أو كبيرة، فليعلم ذلك فإنه من أوكد العلم.
وأما ما أشرت إليه من هذه الآيات الكريمات، فإننا نود أن نبيِّن لك معناها أولاً ليظهر لك المقصود منها وتندفع بذلك الشبهة، وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم واقفاً مع بعض وجهاء قريش من كبارهم وعظمائهم لما كان - صلوات الله وسلامه عليه – يرجو إيمانهم وإسلامهم ليسلم الناس من ورائهم، فبينما هو يكلم هؤلاء النفر إذ دخل عليه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى – رضي الله عنه وأرضاه – وكان ممن أسلم قديماً، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يكلم هؤلاء النفر من وجهاء الناس إذ قال له عبد الله بن أم مكتوم مقاطعاً: علمني يا رسول الله مما علمك الله، وكان يسأله عن آية، فلم يعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مقبلاً على كلام القوم وكان مشغولاً في الحديث معهم عن الإيمان وعن دعوتهم إلى الله جل وعلا، فقطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم وواصل الكلام معهم.
فهذا أصل القصة التي وقعت، فأنزل الله جل وعلا هذه الآيات الكريمات: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى))[عبس:1] أي قطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم عندما جاءه يسأله ((أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى))[عبس:2] أي بسبب أن جاءه الأعمى ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى))[عبس:3] يقول جل وعلا: ما يدريك يا أيها النبي أن هذا الأعمى الذي جاءك لعله أن يتزكى وأن يتطهر بما يحصل له من العلم والنور الذي تعلِّمه إياه ((أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى))[عبس:4] أي تحصل له الذكرى بما علَّمته، ثم قال تعالى: ((أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى))[عبس:5-6] أي هؤلاء النفر الذين كفروا بالله وهم قد استغنوا بما عندهم من الدنيا تتصدى لهم بالدعوة والكلام، ((وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى))[عبس:7]. أي ليس من شأنك هدايتهم وإنما الهداية بيد الله وإنما عليك البلاغ، ((وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى))[عبس:8-10] أي هذا المؤمن الذي جاءك يطلب التعلم ويطلب النور، فأنت تتشاغل عنه بالكلام مع هؤلاء، ثم قال تعالى: ((كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ))[عبس:11] وهذا إرشاد بليغ للنبي صلوات الله وسلامه عليه أن يسوي بين الناس في الدعوة إلى الله جل وعلا فينظر الفقير وينظر الغني والكبير والصغير والذكر والأنثى، وأن يوكل أمرهم إلى الله، فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فإذا ثبت هذا، فقد علمت أنه لم يقع من النبي صلوات الله وسلامه عليه أي ذنب في هذا المقام، وإنما غايته أنه صلوات الله وسلامه عليه ترك ما هو الأولى عند الله جل وعلا، وهذا اجتهاد منه صلوات الله وسلامه عليه، بل هو مأجور عليه؛ لأنه إنما فعل ذلك طلباً لطاعة الرحمن وحبّاً في هداية الناس، فهو مأجور باجتهاده، فهذا ليس في حق النبي صلى الله عليه وسلم فقد بل إن العالِم إن أفتى في مسألة وبذل جهده فيها فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران؛ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر)، فهذا في حق أفراد أمته فكيف به صلوات الله وسلامه عليه؟
إذا عُلم هذا، فليُعلم أن هذه الآية يتمسك بها كثير من الناس ليبينوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب وقد أخطأ في ذلك، وليس هذا بصواب، بل الصواب ما قدمناه لك فاعرفيه واحرصي عليه، وانشري هذا العلم النافع بين أخواتك المؤمنات وبين أهلك؛ فإن هذا يدفع الشبهة وأيضاً يعين على توقير النبي صلوات الله وسلامه عليه وإنزاله المحل اللائق به، بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه.
ونسأل الله عز وجل أن يحشرنا وإياكم في زمرته، وأن يجعلنا جميعاً من أتباعه، وأن يحيينا على سنته، وأن يميتنا عليها، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى، إنه هو أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين.
وبالله التوفيق، وكل عام وأنتم بخير. consult/index.php?page=Details&id=273328
وأما ما أشرت إليه من هذه الآيات الكريمات، فإننا نود أن نبيِّن لك معناها أولاً ليظهر لك المقصود منها وتندفع بذلك الشبهة، وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم واقفاً مع بعض وجهاء قريش من كبارهم وعظمائهم لما كان - صلوات الله وسلامه عليه – يرجو إيمانهم وإسلامهم ليسلم الناس من ورائهم، فبينما هو يكلم هؤلاء النفر إذ دخل عليه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى – رضي الله عنه وأرضاه – وكان ممن أسلم قديماً، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يكلم هؤلاء النفر من وجهاء الناس إذ قال له عبد الله بن أم مكتوم مقاطعاً: علمني يا رسول الله مما علمك الله، وكان يسأله عن آية، فلم يعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مقبلاً على كلام القوم وكان مشغولاً في الحديث معهم عن الإيمان وعن دعوتهم إلى الله جل وعلا، فقطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم وواصل الكلام معهم.
فهذا أصل القصة التي وقعت، فأنزل الله جل وعلا هذه الآيات الكريمات: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى))[عبس:1] أي قطَّب وجهه الشريف وأعرض عن ابن أم مكتوم عندما جاءه يسأله ((أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى))[عبس:2] أي بسبب أن جاءه الأعمى ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى))[عبس:3] يقول جل وعلا: ما يدريك يا أيها النبي أن هذا الأعمى الذي جاءك لعله أن يتزكى وأن يتطهر بما يحصل له من العلم والنور الذي تعلِّمه إياه ((أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى))[عبس:4] أي تحصل له الذكرى بما علَّمته، ثم قال تعالى: ((أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى))[عبس:5-6] أي هؤلاء النفر الذين كفروا بالله وهم قد استغنوا بما عندهم من الدنيا تتصدى لهم بالدعوة والكلام، ((وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى))[عبس:7]. أي ليس من شأنك هدايتهم وإنما الهداية بيد الله وإنما عليك البلاغ، ((وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى))[عبس:8-10] أي هذا المؤمن الذي جاءك يطلب التعلم ويطلب النور، فأنت تتشاغل عنه بالكلام مع هؤلاء، ثم قال تعالى: ((كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ))[عبس:11] وهذا إرشاد بليغ للنبي صلوات الله وسلامه عليه أن يسوي بين الناس في الدعوة إلى الله جل وعلا فينظر الفقير وينظر الغني والكبير والصغير والذكر والأنثى، وأن يوكل أمرهم إلى الله، فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فإذا ثبت هذا، فقد علمت أنه لم يقع من النبي صلوات الله وسلامه عليه أي ذنب في هذا المقام، وإنما غايته أنه صلوات الله وسلامه عليه ترك ما هو الأولى عند الله جل وعلا، وهذا اجتهاد منه صلوات الله وسلامه عليه، بل هو مأجور عليه؛ لأنه إنما فعل ذلك طلباً لطاعة الرحمن وحبّاً في هداية الناس، فهو مأجور باجتهاده، فهذا ليس في حق النبي صلى الله عليه وسلم فقد بل إن العالِم إن أفتى في مسألة وبذل جهده فيها فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران؛ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (
إذا عُلم هذا، فليُعلم أن هذه الآية يتمسك بها كثير من الناس ليبينوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب وقد أخطأ في ذلك، وليس هذا بصواب، بل الصواب ما قدمناه لك فاعرفيه واحرصي عليه، وانشري هذا العلم النافع بين أخواتك المؤمنات وبين أهلك؛ فإن هذا يدفع الشبهة وأيضاً يعين على توقير النبي صلوات الله وسلامه عليه وإنزاله المحل اللائق به، بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه.
ونسأل الله عز وجل أن يحشرنا وإياكم في زمرته، وأن يجعلنا جميعاً من أتباعه، وأن يحيينا على سنته، وأن يميتنا عليها، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى، إنه هو أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين.
وبالله التوفيق، وكل عام وأنتم بخير.